-كل العلوم الإنسانية تؤكد أن المجتمع ظاهرة فوق التجمع سواء منها ما يدور في فلك
السوسيولوجيا وعلوم الزمان وعلوم المكان وعلوم العصور وعلوم الآثار واللسنيات
والآداب والفنون وغيرها..وإذا كان المجتمع عبارة عن تجمع مجرد، فذلك ما لايمكن
قبوله في الحس البشري وفي البعد الحضري وفي التفكير الثقافي…وسيكون ذلك ظاهرة لا
إنسية أكثر من أن ننعتها بلا إنسانية،حيث تتجذر سلوكات الاستهلاك والانتهاز
والاستغلال، وما يتبع ذلك…والتركيز من قبل الفرد أو المجموعات على هذا السلوك يعدم
الوجدان الجمعي لحمة المجتمع،ويكرس التمركز حول الذات سيكولوجيا ويغيب الوعي
بالزمان إلا ما هو لحظي، فتلغى أبعاده الثلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل في
ترابطها الفطري والوجودي، وما ترمز إليه هذه الأبعاد من جذور وحضور وطموح.. فيلغى
ترتبأ عن ذلك مفهوم المكان وكل أبعاده هو أيضا, إلا ما هو حسي منه. وفي هذه الحالة
برمتها تصبح القراءة لهذا الوضع، دالة على أفراد دون فعل اجتماعي، وبالتالي على
مجتمع منخور... تلك الابعاد التي من الضروري ان يدخل معها الفرد في علاقة حتى يعيش
وسطه البيئي و الجغرافي و البشري والثقافي المتكامل... فلا يعقل اجتماعيا أن يحصل
التفرج و الطلب والترقب وغيرها من السلوكات الجامدة و الراكدة ذات البعد الحسي...
لا تفاعل ولا مشاركة إلا الأخذ فقط, والتحرك على مستوى الحاجات البيولوجية
والفيزيولوجية لاشباعها.. إن هذا التمركز حول الذات الغريزية، يعدم المبادرة و
يعوقها عند الجميع... فالأسرة و الحي و المدشر و المؤسسات و المنظمات و القطاعات
كلها تبدو في مثل هذه الحالة جوفاء و جامدة، بل تتحول سلبا الى تناحرات
داخلية،غايتها الدفاع عن المراكز و المواقع و مناطق النفوذ والمكتسبات الآنية،كما
تتنازعها باستمرار.
إذن كيف سيكون عليه الحال في وطن يضم تجمعا له هذا التوجه؟ ان الوطن بأبعاده كلها
هو الذي في حاجة إلينا، و لسنا نحن الذين في حاجة اليه دون أن يكون كذلك... فكيف
نفسر كون من يعمل يقوم بذلك ليأخذ، و أن من يحضر فلكي ينال، و أن من يستخدم ذكاءه
يجعل ذلك وسيلة ليستفيد...
إن المجتمع في حاجة إلى المبادرات والإبداع فيها، من طرف جميع أفراده و جميع عناصره
و جميع هيئاته دون استثناء...فمن سيغرس وردة يفوح أريجها، ليشمها الآخر؟